كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال في الكشاف: ما علمته جاء هكذا إلا في خطاب الكافرين كقوله: {واتقوه وأطيعون يغفر لكم من ذنوبكم} {يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم}. وقال في خطاب المؤمنين: {ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون يغفر لكم ذنوبكم}.
وغيرذلك مما يوقفك عليه الاستقراء، وكان ذلك للتفرقة بين الخطابين، وأن لا يسوّى بين الفريقين في المعاد اهـ. قال الرازي: وأما قول الكشاف فهو من باب الظلمات؛ لأنّ هذا التبعيض إن حصل فلا حاجة إلى ذكر هذا الجواب، وإن لم يحصل كان هذا الكلام فاسدًا. {ويؤخركم}، أي: ولا يفعل بكم فعل من تعهدون من الملوك في المعاجلة في الإهلاك لمن خالفهم بل يؤخركم. {إلى أجل مسمى}، أي: إلى وقت قد سماه وبين مقداره يبلغكموه إن أنتم آمنتم به، وإلا عاجلكم بالهلاك قبل ذلك الوقت إن أنتم ما آمنتم. فإن قيل: أليس قال تعالى: {فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون}.
فكيف قال هنا: {ويؤخركم إلى أجل مسمى}؟
أجيب: بأنّ الأجل على قسمين: معلق ومبرم.
{قالوا}، أي: الأمم مجيبين للرسل. {إن}، أي: ما {أنتم} أيها الرسل {إلا بشر مثلنا}، أي: لا فضل لكم علينا فلم تخصون بالنبوّة دوننا ولو أرسل الله تعالى إلى البشر رسلًا لجعلهم من جنس، أي: من البشر في زعم القائلين أفضل، وقول الكشاف: وهم الملائكة جار على مذهبه. {تريدون أن تصدّونا عما كان يعبد آباؤنا}، أي: ما تريدون بقولكم هذا إلا صدّنا عن آلهتنا التي كان آباؤنا يعبدونها {فأتونا بسلطان مبين}، أي: بحجة ظاهرة على صدقكم. ولما حكى الله تعالى عن الكفار شبهاتهم في الطعن في النبوّة حكى عن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام جوابهم عنها بقوله تعالى: {قالت لهم رسلهم} مجيبين لهم {إن}، أي: ما {نحن إلا بشر مثلكم} كما قلتم، فسلموا أنّ الأمر كذلك لكنهم بينوا أنّ التماثل في البشرية لا يمنع من اختصاص بعض بمنصب النبوّة بقولهم: {ولكنّ الله يمنّ} أي: يتفضل {على من يشاء من عباده} بالنبوّة والرسالة فيصطفي من يشاء من عباده لهذا المنصب العظيم الشريف، كما قال تعالى: {الله أعلم حيث يجعل رسالته}.
{وما كان}، أي: ما صح واستقام {لنا أن نأتيكم بسلطان إلا بإذن الله}، أي: إلا بأمره؛ لأنا عبيد مربوبون فليس إلينا الاتيان بالآيات، ولا تستبد به استطاعتنا حتى نأتيكم بما اقترحتموه، وإنما هو أمر متعلق بمشيئة الله تعالى فله أن يخص كل نبيّ بنوع من الآيات. {وعلى الله فليتوكل} بأمر حتم {المؤمنون}، أي: يثقوا به فلا نخاف من تخويفكم ولا نلتفت إلى تهديدكم فإن توكلنا على الله، واعتمادنا على فضل الله، فإن الروح متى كانت مشرفة بالمعارف الإلهية مشرقة بأضواء علم الغيب قلما تبالي بالأحوال الجسمانية، وقلما تقيم لها وزنًا في حالتي السراء والضراء فلهذا توكلوا على الله، وعوّلوا على فضله، وقطعوا أطماعهم عمن سواه، وعمموا الأمر للإشعار بما يوجب التوكل وقصدوا به أنفسهم قصدًا أوّليًا ألا ترى إلى قولهم: {وما لنا أن لا نتوكل على الله}، أي: أيّ عذر لنا في أن لا نتوكل عليه {وقد هدانا سبلنا}، أي: وقد عرّفنا طريق النجاة وبيّن لنا الرشد، فإنّ من فاز بشرف العبودية ووصل إلى مقام الإخلاص والمكاشفة يقبح عليه أن يرجع في أمر من الأمور إلى غير الحق وفي هذه الآية دلالة على أنه تعالى يعصم أولياءه، والمخلصين في عبوديته عن كيد أعدائهم ومكرهم. وقرأ أبو عمرو بسكون الباء والباقون بالرفع، وكذلك لرسلهم سكن أبو عمرو السين ورفعها الباقون، ثم قالوا: {ولنصبرنّ على ما آذيتمونا} فإنّ الصبر مفتاح الفرج، ومطلع الخيرات، والحق لابد وأن يصير غالبًا قاهرًا، والباطل لابد وأن يصير مغلوبًا مقهورًا ثم قالوا: {وعلى الله فليتوكل المتوكلون}. فإن قيل:، أي: فرق بين التوكلين؟
أجيب: بأنّ الأوّل لاستحداث التوكل والثاني طلب دوامه،، أي: فليثبت المتوكلون على ما استحدثوه من توكلهم المسبب عن إيمانهم. ولما حكى الله تعالى عن الأنبياء عليهم السلام أنهم اكتفوا في دفع شرور أعدائهم بالتوكل عليه والاعتماد على حفظه وحياطته حكى عن الكفار أنهم بالغوا في السفاهة بقوله تعالى: {وقال الذين كفروا لرسلهم} مستهينين لمن قصروا التجاءهم عليه. {لنخرجنكم من أرضنا}، أي: التي لنا الآن الغلبة عليها. {أو لتعودنّ في ملتنا}، أي: حلفوا ليكونن أحد الأمرين إمّا إخراجكم أيها الرسل، وإمّا عودكم إلى ملتنا، أي: ديننا. فإن قيل: قد يفهم هذا بظاهره أنهم كانوا على ملتهم قبل ذلك؟
أجيب: بأنّ العود هنا بمعنى الصيرورة وهو كثير في كلام العرب كثرة فاشية، لا تكاد تسمعهم يستعملون صار ولكن عاد يقولون ما عدت أراه، عاد لا يكلمني، ما عاد لفلان مال. وقد أجمعت الأمّة على أنّ الرسل من أوّل الأمر إنما نشؤوا على التوحيد لا يعرفون غيره ويجوز أن يكون الخطاب لكل رسول ولمن آمن معه فغلبوا الجماعات على الواحد، وقيل: {أو لتعودنّ في ملتنا}.
إلى ما كنتم عليه قبل ادعاء الرسالة من السكوت عند ذكر معايبه وعدم التعرّض له بالطعن والقدح. ولما ذكر الكفار هذا الكلام قال تعالى: {فأوحى إليهم}، أي: الرسل {ربهم} وقوله تعالى: {لنهلكنّ الظالمين}، أي: الكافرين حكاية تقتضي إضمار القول أو أجرى الايحاء مجرى القول؛ لأنه ضرب منه.
{ولنسكننكم الأرض}، أي: أرضهم {من بعدهم}، أي: بعد هلاكهم ونظيره قوله تعالى: {وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها}.
وقوله تعالى: {وأورثكم أرضهم وديارهم}.
قال الزمخشري: وعن النبيّ صلى الله عليه وسلم: «من آذى جاره ورثه الله داره». قال: ولقد عاينت هذا في مدّة قريبة كان لي خال يظلمه عظيم القرية التي أنا فيها ويؤذيني فيه فمات ذلك العظيم، وملكني الله ضيعته، فنظرت يومًا إلى أبناء خالي يتردّدون، منها ويأمرون وينهون فذكرت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وحدثتهم به وسجدنا شكرًا لله تعالى. {ذلك}، أي: النصر وإيراث الأرض {لمن خاف مقامي}، أي: موقفي وهو موقف الحساب؛ لأنّ ذلك الموقف موقف الله الذي يوقف فيه عباده يوم القيامة ونظيره {وأمّا من خاف مقام ربه}. وقوله تعالى: {ولمن خاف مقام ربه جنتان}.
وقيل: {ذلك لمن خاف مقامي}، أي: خافني، فالمقام مقحم مثل ما يقال: سلام على المجلس العالي والمراد السلام على فلان {وخاف وعيد} قال ابن عباس: ما أوعدت من العذاب، وهذا يدل على أنّ الخوف من الله غير الخوف من وعيده؛ لأنّ العطف يقتضي المغايرة، وفي تفسير قوله تعالى: {واستفتحوا} قولان: أحدهما: طلب الفتح، أي: واستنصروا الله تعالى على أعدائهم وهو كقوله تعالى: {إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح}.
والثاني: الفتح الحكم والقضاء، أي: واستحكموا الله وسألوه القضاء بينهم، وهو مأخوذ من الفتاحة، وهي الحكومة كقوله تعالى: {ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق}.
فعلى القول الأول المستفتح هم الرسل؛ لأنهم استنصروا الله ودعوا على قومهم بالعذاب لما أيسوا من إيمانهم. قال نوح: {رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارًا}.
وقال موسى: {ربنا اطمس على أموالهم}.
وقال لوط: {انصرني على القوم المفسدين}.
وعلى القول الثاني: قال الرازي: فالأولى أن يكون المستفتح هم الأمم وذلك أنهم قالوا: اللهم إن كان هؤلاء الرسل صادقين، فعذبنا، ومنه قول كفار قريش: {اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء}.
وكقول آخرين: {ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين}.
{وخاب}، أي: خسر وهلك {كل جبار}، أي: متكبر عن طاعة الله، وقيل: هو الذي لا يرى فوقه أحدًا، وقيل: هو المتعظم في نفسه المتكبر على أقرانه، واختلفوا في قوله تعالى: {عنيد} فقال مجاهد: معاند للحق ومجانبه. وقال ابن عباس: هو المعرض عن الحق. وقال مقاتل: هو المتكبر. وقال قتادة: هو الذي يأبى أن يقول لا إله إلا الله، وقيل: هو المعجب بما عنده. ولما حكم تعالى على الكافر بالخيبة، ووصفه بكونه جبارًا عنيدًا وصف كيفية عذابه بأمور: الأوّل: قوله تعالى: {من ورائه}، أي: أمامه {جهنم}، أي: هو صائر إليها. قال أبو عبيدة: هو من الأضداد وقال الشاعر:
عسى الكرب الذي أمسيت فيه ** يكون وراءه فرج قريب

ويقال أيضًا: الموت وراء كل أحد. وقال تعالى: {وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبًا}، أي: أمامهم. وقال ثعلب: هو اسم لما توارى عنك سواء كان خلفك أم قدامك، فيصح إطلاق لفظ الوراء على خلف وقدّام. وقال ابن الأنباري: وراء بمعنى بعد. قال الشاعر: وليس وراء الله للخلق مهرب.
ومعنى الآية على هذا: أن الكافر بعد الخيبة يدخل جهنم.
الأمر الثاني: ما ذكره تعالى بقوله: {ويسقى}، أي: في جهنم {من ماء صديد} وهو ما يسيل من جوف أهل النار مختلطًا بالقيح والدم جعل ذلك شراب أهل النار. وقال محمد بن كعب: هو ما يسيل من فروج الزناة يسقاه الكافر. فإن قيل: علام عطف {ويسقى}؟
أجيب: بأنه عطف على محذوف تقديره من ورائه جهنم يلقى فيها ما يلقى ويسقى من ماء صديد.
{يتجرّعه}، أي: يتكلف أن يبتلعه مرّة بعد مرّة لمرارته وحرارته ونتنه {ولا يكاد يسيغه} أي: ولا يقدر على ابتلاعه. قال الزمخشري: دخل كاد للمبالغة يعني ولا يقارب أن يسيغه فكيف تكون الإساغة؟ كقوله تعالى: {لم يكد يراها}، أي: لم يقرب من رؤيتها فكيف يراها؟ فإن قيل: كيف الجمع على هذا الوجه بين {يتجرّعه} و{لا يكاد يسيغه}؟
أجيب بجوابين: أحدهما: أنّ المعنى ولا يسيغ جميعه كأنه يتجرّع البعض وما أساغ الجميع. والثاني: إنّ الدليل الذي ذكر إنما دل على وصول ذلك الشراب إلى جوف ذلك الكافر؛ لأنّ ذلك ليس بإساغة؛ لأنّ الإساغة في اللغة إجراء الشراب في الحلق واستطابة المشروب، والكافر يتجرّع ذلك الشراب على كراهية ولا يسيغه، أي: لا يستطيبه ولا يشربه شربًا بمرة واحدة، وعلى هذين الوجهين يصح حمل لا يكاد على نفي المقاربة.
الأمر الثالث: ما ذكره تعالى بقوله تعالى: {ويأتيه الموت}، أي: أسبابه المقتضية له من أنواع العذاب {من كل مكان}، أي: من سائر الجهات، وقيل: من كل مكان من جسده حتى أصول شعره وإبهام رجله. {وما هو بميت} فيستريح. وقال ابن جريج: تتعلق نفسه عند حنجرته فلا تخرج من فيه فيموت، ولا ترجع إلى مكان من جوفه فتنفعه الحياة.
الأمر الرابع: ما ذكره تعالى بقوله تعالى: {ومن ورائه}، أي: ومن بين يديه بعد ذلك العذاب {عذاب غليظ}، أي: شديد كل وقت يستقبله أشدّ مما قبله، وقيل: هو الخلود في النار، وقيل: هو قطع الأنفاس وحبسها في الأجساد. ولما ذكر تعالى أنواع عذابهم بين بعده أنّ سائر أعمالهم تصير باطلة ضائعة، وذلك هو الخسران الشديد بقوله تعالى: {مَّثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شيء ذالِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَارْضَ بِالْحَقِّ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ وَمَا ذَالِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاؤُا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِن شيء قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِىَ امْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِىَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلا أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِى فَلا تَلُومُونِى وَلُومُوا أَنفُسَكُمْ مَّا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُم بِمُصْرِخِىَّ إِنِّى كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَأُدْخِلَ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا انْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ}.
{مثل}، أي: صفة {الذين كفروا بربهم أعمالهم}، أي: الصالحة كصدقة وصلة رحم وفك أسير، وإقراء ضيف، وبر والد في عدم الانتفاع بها {كرماد اشتدّت به الريح في يوم عاصف}، أي: شديد هبوب الريح، فجعلته هباء منثورًا لا يقدر عليه كما قال تعالى: {لا يقدرون}، أي: الكفار يوم الجزاء {مما كسبوا}، أي: عملوا في الدنيا {على شيء}، أي: لا يجدون لهم ثوابًا لفقد شرطه وهو الإيمان. وقرأ نافع {الرياح} بالجمع، والباقون بالإفراد. {ذلك} إشارة إلى ضلالهم مع حسبانهم أنهم محسنون {هو الضلال البعيد}، أي: الخسران الكبير لأنّ أعمالهم ضلت وهلكت فلا يرجى عودها.
تنبيه:
في ارتفاع قوله تعالى: {مثل} أوجه: أحدها: وهو مذهب سيبويه أنه مبتدأ محذوف الخبر تقديره فيما يتلى عليكم مثل الذين كفروا، وتكون الجملة من قوله تعالى: {أعمالهم كرماد} مستأنفة على تقدير سؤال سائل يقول: كيف مثلهم؟ فقيل أعمالهم كرماد.
والثاني: وهو مذهب الفراء التقدير: مثل أعمال الذين كفروا بربهم كرماد، فحذف المضاف اعتمادًا على ذكره بعد المضاف إليه، وهو قوله تعالى: {أعمالهم} ومثله قوله تعالى: {ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودّة}.
المعنى: ترى وجوه الذين كذبوا على الله مسودّة.
الثالث: أن يكون التقدير: صفة الذين كفروا أعمالهم كرماد كقوله: صفة زيد عرضه مصون وماله مبذول.
الرابع: أن تكون أعمالهم بدلًا من قوله: {مثل الذين كفروا}، والتقدير مثل أعمالهم وقوله تعالى: {كرماد} هو الخبر. وقيل: غير ذلك. وقوله تعالى: {ألم تر}، أي: تنظر خطاب للنبيّ صلى الله عليه وسلم والمراد به أمّته، وقيل: لكل واحد من الكفرة على الالتفات. {أنّ الله خلق السموات} على عظمها وارتفاعها {والأرض} على تباعد أقطارها واتساعها، وقوله تعالى: {بالحق}، أي: بالحكمة، والوجه الذي يحق أن تخلق عليه متعلق بخلق. وقرأ حمزة والكسائي بألف بعد الخاء وكسر اللام، ورفع القاف، وخفض الأرض. والباقون بغير ألف بعد الخاء، وفتح اللام والقاف، ونصب الأرض. {إن يشأ يذهبكم} أيها الناس {ويأت} بدلكم {بخلق جديد} أطوع منكم، رتب ذلك على كونه خالق السموات والأرض استدلالًا به عليه، فإن من خلق أصولهم وما يتوقف عليه تخليقهم قدر أن يبدلهم بخلق آخر، ولم يمتنع عليه كما قال تعالى: {وما ذلك على الله بعزيز}، أي: بممتنع، فإنه تعالى قادر بذاته، ولا اختصاص له بمقدور دون مقدور، ومن هذا شأنه كان حقيقًا أن يؤمن به، ويعبد رجاء ثوابه وخوفًا من عقابه يوم الجزاء. ولما ذكر تعالى أصناف عذاب هؤلاء الكفار، وذكر عقبه أن أعمالهم تصير محبطة باطلة ذكر كيفية مجادلتهم عند تمسك أتباعهم بهم وكيفية افتضاحهم عندهم بقوله تعالى: {وبرزوا}، أي: الخلائق من قبورهم {لله جميعًا} والتعبير فيه وفيما يأتي بالماضي، وإن كان معناه الاستقبال لتحقق وقوعه؛ لأنّ كل ما أخبر الله تعالى عنه فهو حق وصدق وكائن لا محالة، فصار كأنه قد حصل ودخل في الوجود، ونظيره: {ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار}.
تنبيه:
البروز في اللغة الظهور بعد الاستتار، وهو في حق الله تعالى محال، فلابد من تأويله وهو من وجهين:
الأوّل: أنهم كانوا يستترون من العيون عند ارتكاب الفواحش، ويظنون أنّ ذلك خاف على الله تعالى، فإذا كان يوم القيامة انكشفوا لله عن أنفسهم، وعلموا أنّ الله تعالى لا تخفى عليه خافية.
الثاني: أنهم خرجوا من قبورهم، فبرزوا لحساب الله تعالى وحكمه. ثم حكى الله تعالى؟ عنهم أنّ الضعفاء يقولون للرؤوساء هل تقدرون على دفع عذاب الله تعالى عنا بقوله تعالى: {فقال الضعفاء}، أي: الأتباع جمع ضعيف يريد به ضعفاء الرأي {للذين استكبروا}، أي: المتبوعين الذين طلبوا الكبر، وادّعوه فاستغووهم به حتى تكبروا على الرسل، وقوله تعالى: {إنا كنا لكم تبعًا} يصح أن يكون مصدرًا نعت به للمبالغة، أو على إضمار مضاف وأن يكون جمع تابع، أي: تابعين لكم في تكذيب الرسل، فكنتم سبب ضلالنا، وقد جرت عادة الأكابر بالدفع عن أتباعهم المساعدين لهم على أباطيلهم {فهل أنتم}، أي: في هذا اليوم {مغنون}، أي: دافعون {عنا من عذاب الله}، أي: من انتقامه {من شيء} فإن قيل: فما الفرق بين من في عذاب الله وبين من في شيء؟